كتبت: هاندا وليد
فتح الله له قلوب الناس، وجعل من مجلس خواطره حول كتاب الله مدرسة ينتسب إليها الملايين، يُعلمهم تدبر القرآن حروفًا وعبارات، جاعلا من سامعيه ذواقين للغة والأشعار، بالإضافة إلى تعليمهم أركان الإسلام، ودعائم الإيمان، ومراتب الإحسان، وأجرى الله على لسانه من الكلمات ما جعلها مفتاحا لنجاة أمته وقت الشدائد فى حياته وبعد وفاته.. إنه إمام الدعاة الشيخ المجدد محمد متولى الشعراوى، الذى رحل عن دنيانا فى السابع عشر من شهر يونيو عام 1998م.
بهذه الكلمات يتحدث الشيخ أحمد ربيع الأزهرى، من علماء الأزهر وأئمة وزارة الأوقاف، عن المناقب الزاهرة والمواقف القوية فى خدمة الإسلام، للشيخ الشعراوى، قائلا: إنه – يرحمه الله – هو الإمام العلامة، شيخ المفسرين فى زمانه، إمام الدعاة بلا نزاع، ذو الشرف الشامخ والعلم الراسخ، والقريحة التى تُحكُّ القرائِحَ، وتأتى من المعْنى بكل غادٍ ورائح.
ويتابع: «كان دَيِّنًا، خَيِّرًا، مُتَيقِّظًا، صالحًا، صوفيًا زاهدًا، حافظًا للتفاسير والمعانى وأيام العرب، حتى عُد رأْسًا فى علم العربية والأدب، شاعرًا فصيحًا، وأديبًا حسن التعبير عن الأشياء الدَّقيقة بالألفاظ الرَّشيقة، مبارزًا، عاقلاً ذا رأى ثاقب كأنما يتساقطُ الدّرّ من فيهِ إذا تكلَّم، للعلماء من علمه إيرادٌ وإصدارٌ، ومن كلامه ووجهه أنْواءٌ وأنوار».
ويضيف: نحسبه سليم القلب، صاحب مواقف حفظ فيها للشرع أحكامه، وللأزهر أركانه، ولمصر قوتها، به افْتَخرتْ على سائرِ الأمْصار، وكاثَرَتْ بِعِلْمه بحْرَها على جميع البحار، إليه غايةُ التحقيق ونهاية التدقيق، لا يُشق غُبارُه، قائمًا فى الحقِّ لا تأخذُه فى الله لَوْمة لائم، متواضعًا جوادًا سخيًا محبًا للفقراء مشْكور السّيرة، حلوَ المُجالسة، طارحًا للتّكَلّفِ، ثبت الله به مكان مقام إبراهيم بعد أن أفتى البعض بجواز نقله لتوسيع المطاف، كما قاد حركة التعريب فى الجزائر وإحياء لسان العربية بعد أن أعجمته الفرنسية، ألزم بمشيخة الأزهر فامتنع، وذاق الوزارة فما اختل ولا طمع.
ويواصل الأزهرى: طاف الشيخ الشعراوى على الكتائب العسكرية لجنودنا البواسل على
الجبهة استعدادا لحرب 1973م، مذكرًا بقيمة الجهاد والتضحية بالنفس من أجل مصر المذكورة فى القرآن، والمدافعة عن الحق والعدالة، وكونها مهد الثقافة والحضارة.
ويقول: «هذا هو الشيخ الشعراوى الذى نحتفى بذكراه، مؤكدين أن أمثاله أصحاب ميلادٌ متجدد وذكر خالد، فالرجل تأدب مع كتاب الله، فكان مفتاح كلامه «خواطرى حول القرآن الكريم لا تعنى تفسيراً للقرآن، وإنما هى هبات صفائية، تخطر على قلب مؤمن فى آية أو بضع آيات.. ولو أن القرآن من الممكن أن يفسر، لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره، لأنه عليه نزل وبه انفعل وله بلغ وبه علم وعمل، وله ظهرت معجزاته، ولكن رسول الله، عليه السلام، اكتفى بأن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التى تبين لهم أحكام التكليف فى القرآن الكريم، وهي: افعل ولا تفعل»، فاستحق بتواضعه وعلمه وحاله: الخلود.
ويختتم الأزهرى حديثه بالقول: «رحم الله شيخنا الشعراوى، ونفعنا بعلمه فى الدارين، وعوض عنه الأزهر ومصر والإسلام بأئمةٍ مجددين على مر الزمان»