
كتب: شادى سعد
وفي إطار تسليط الضوء على هذا الجانب الهام من حضارة مصر القديمة، يستضيف المتحف المصري معرضًا أثريًا مؤقتًا بعنوان “الطعام في مصر القديمة”، حيث يعرض مجموعة من القطع الأثرية الفريدة التي تكشف عن تفاصيل الحياة اليومية داخل المطابخ المصرية القديمة، وأهمية الطعام في الطقوس الدينية والجنائزية.هذا المعرض، الذي يُقام في قاعة 43 بالدور العلوي بالمتحف المصري لمدة ثلاثة أشهر، يقدم تجربة استثنائية للزوار، حيث يضم نماذج أثرية تعكس واقع المطبخ المصري القديم، ويكشف عن مظاهر المساواة بين الرجل والمرأة حتى في بيئات العمل، مثل المطاحن والمخابز ومسالخ اللحوم.
كما يعرض ولأول مرة نماذج حديثة لأنواع الخبز المصري القديم، مستوحاة من المناظر والنقوش الأثرية.
في هذا التقرير، سنأخذكم في رحلة عبر الزمن لاستكشاف العلاقة الوثيقة بين الطعام والعبادة والمجتمع في مصر القديمة، وكيف كان المصريون القدماء يعتبرون الطعام مفتاحًا للحياة في الدنيا والآخرة.
أولًا: الطعام في مصر القديمة بين الحياة والموت
1- الطعام كمصدر للحياة اليومية
كان النظام الغذائي للمصريين القدماء يعتمد على المنتجات الزراعية التي وفرها نهر النيل، حيث شكلت الحبوب، مثل القمح والشعير، المكون الأساسي في غذائهم، واستخدمت في صناعة الخبز، الذي كان متنوع الأشكال والأحجام. كما كانت الفواكه والخضروات واللحوم والأسماك من العناصر الأساسية في طعام المصريين، حيث تم العثور على نقوش ومناظر تصور طرق تحضير الطعام وحفظه.
2- الطعام في الطقوس الدينية والجنائزية
لم يقتصر الطعام في مصر القديمة على دوره في الحياة اليومية، بل تجاوز ذلك ليصبح عنصرًا أساسيًا في الممارسات الدينية. فقد اعتقد المصريون أن الطعام هو الوسيلة التي تضمن استمرار الحياة بعد الموت، لذا امتلأت المقابر بنقوش تصوّر الولائم والتقدمات الغذائية، كما تم وضع نماذج من الأطعمة داخل المقابر لتزويد المتوفى بما يحتاجه في العالم الآخر.
3- المساواة بين الرجل والمرأة في العمل داخل المطبخ المصري القديم
يقدم المعرض نموذجًا أثريًا فريدًا لمطبخ مصري قديم، يُظهر مجموعة من العمال والنساء يعملون جنبًا إلى جنب في طحن الحبوب وصناعة الخبز وذبح المواشي. يعكس هذا المشهد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في بيئات العمل، حتى في المهام البدنية الشاقة مثل الطحن والخبز والذبح.
ثانيًا: نموذج المطبخ المصري القديم في المعرض
1- المكونات الرئيسية للطعام المصري القديم
يُظهر النموذج المعروض في المتحف المصري عدة مراحل من إعداد الطعام في مصر القديمة، حيث يمكن ملاحظة:
عمال يطحنون الحبوب باستخدام مطاحن مستديرة لصنع الدقيق.
خباز يجلس أمام موقد الخبز، وهو عنصر أساسي في حياة المصريين القدماء.
جزارون يذبحون بقرة، ومن بينهم امرأة تشارك في العمل، وهو أمر نادر يعكس دور المرأة في هذا المجال.
2- التقنيات المستخدمة في إعداد الطعامتشير الدلائل الأثرية إلى أن المصريين القدماء كانوا يعتمدون على طرق مختلفة في إعداد الطعام، مثل السلق، والقلي، والشيّ، والتخمير. وقد استخدموا الأواني الفخارية في الطهي والتخزين، وكانت المطابخ تحتوي على أفران بدائية مصنوعة من الطين.
3- تجربة فريدة لعرض نماذج حديثة من الخبز المصري القديم
لأول مرة، يقدم المتحف المصري نموذجًا لعرض أنواع مختلفة من الخبز المصري القديم، تم إنتاجها بناءً على المعلومات المستمدة من النقوش الجدارية ومناظر الحياة اليومية. تكشف هذه النماذج عن التنوع الكبير في صناعة الخبز، حيث وُجدت أنواع بأشكال دائرية، ومستطيلة، وحتى مخروطية، بعضها كان يُحشى بالعسل أو التمر.
ثالثًا: الطعام في الحياة اليومية والولائم الملكية
1- المطبخ المصري القديم: مزيج بين البساطة والتنوع
اعتمد المصريون القدماء على الطعام البسيط في حياتهم اليومية، حيث كان العمال والفلاحون يكتفون بالخبز والبصل والعدس والبقوليات، بينما كانت الطبقات العليا تتمتع بتنوع أكبر يشمل اللحوم والأسماك والفواكه.
2- الولائم الملكية والمناسبات الاحتفالية
كانت الولائم جزءًا أساسيًا من المناسبات الرسمية، حيث كانت تُقام حفلات كبيرة في المعابد والقصور، يُقدم فيها اللحوم المشوية، والأسماك المتبلة، والحلويات المصنوعة من العسل والتمر. كما كان النبيذ والبيرة من المشروبات الشائعة في هذه المناسبات.
3- الطعام كجزء من العبادات والتقدمات للآلهة
يُظهر المعرض كيف كان المصريون القدماء يقدمون الطعام قرابين للآلهة، حيث كانت المعابد تحتوي على مخازن لحفظ الأطعمة التي تُقدَّم في الطقوس اليومية. وكان يُعتقد أن هذه التقدمات تُكسب الآلهة القوة وتضمن رضاهم عن البشر.
رابعًا: زيارة المعرض والتجربة التفاعلية للزوار
1- تفاصيل المعرض ومواعيد الزيارة
يقام معرض “الطعام في مصر القديمة” في قاعة 43 بالدور العلوي بالمتحف المصري، وهو متاح للزيارة خلال مواعيد العمل الرسمية دون أي رسوم إضافية.
يقدم المعرض تجربة غنية للزوار من خلال عرض نماذج أثرية أصلية ونماذج حديثة تم إعدادها بناءً على الدراسات الأثرية.
2- ما الذي يجعل هذا المعرض مميزًا؟
– عرض فريد لنموذج مطبخ مصري قديم يُبرز مشاركة المرأة في الأعمال اليومية.
– نماذج حديثة لأنواع مختلفة من الخبز المصري القديم، مستوحاة من النقوش والمعابد.
– فرصة لرؤية أدوات الطبخ والمكونات التي استخدمها المصريون القدماء في حياتهم اليومية.
– تجربة تعليمية تفاعلية للأطفال والمهتمين بالتاريخ، حيث يمكنهم التعرف على تفاصيل الحياة اليومية في مصر القديمة.يُعد معرض “الطعام في مصر القديمة” فرصة نادرة لاكتشاف تفاصيل حياة المصريين القدماء من منظور جديد، حيث يُسلط الضوء على أهمية الطعام ليس فقط كوسيلة للبقاء، ولكن أيضًا كجزء من الطقوس الدينية والممارسات الاجتماعية. من خلال القطع الأثرية والنماذج الحديثة، يمكن للزوار استكشاف أسرار المطابخ المصرية القديمة، وفهم العلاقة العميقة بين الطعام والعبادة والمجتمع.
إن هذا المعرض لا يُقدم فقط لمحة عن الماضي، بل يساهم في إحياء التراث المصري القديم بطريقة تفاعلية، مما يجعله وجهة مثالية لعشاق التاريخ والثقافة. فلا تفوّتوا فرصة زيارته والتعرف على هذا الجانب الفريد من الحضارة المصرية!